نظرة تكتيكية: لماذا خسرت مصر وكيف فازت الجزائر !!
لمنتخبان وصلا لتلك المباراة -التي أقيمت في السودان- بعد تساويهما في كل شيء خاص بمجموعتهما الافريقية في تصفيات المونديال، سواء عدد النقاط أو فارق الأهداف أو عدد الأهداف المسجلة، ويعود الفضل في هذا التساوي الى الفوز المصري بهدفين دون رد على الجزائر مساء السبت الماضي. مباراة ملعب المريخ جاءت قوية بين الفريقين وشهدت أحداثًا تكتيكية ممتازة من الجانب الجزائري وسيئة وذات تأثير سلبي من الجانب المصري، ومن الحق والعدل أن يُعاد الكثير من الفضل في تأهل المنتخب الأخضر للمدرب الكفء رابح سعدان الذي نجح في قراءة المباراة الأخيرة والتعلم من أخطائه بجانب اعداد لاعبيه نفسيًا وذهنيًا بأفضل طريقة ممكنة. سنحاول خلال السطور التالية الاقتراب من المباراة بشكل أكبر ومن بعض النقاط التي كان لها تاثير واضح سواء بالسلب أو الايجاب على الفريقين. تشكيل مصري سيء يعكس الثقة الشديدة التي يشعر بها الجهاز الفني بجانب عدم قراءة المباراة الماضية تلعب في القاهرة بمهاجم واحد وكثاثة في الوسط وفي الخرطوم بمهاجمين من البداية !!!!! تلك هي الجملة الأولى التي أفتتح بها حديثي عن تشكيل المنتخب المصري مع عشرات علامات الاستفهام والتعجب والدهشة. ظهر من مباراة القاهرة أن المنتخب الجزائري يمتلك وسط قوي من الجانب البدني والجسماني والمهاري وهو أفضل خطوط الفريق، ولولا التراجع الغير مبرر من سعدان في مباراة القاهرة خلال الشوط الثاني لما نجح المنتخب المصري بالتقدم للأمام والضغط القوي حتى احراز الهدف الثاني، بالتالي خط وسط مثل هذا يحتاج خط وسط يمتلك مثل مميزاته وأبرزها القوة واللياقة البدنية وهذا لا يمكن أن يحدث بتواجد أحمد حسن في مركز المحور أبدًا خاصة بعدم وجود ثنائي هجومي يساعده والاعتماد على أبو تريكة فقط. أحمد حسن لاعب مميز لكن في كل مكان في الملعب إلا محور الارتكاز، وقد تألق من قبل في تركيا وبلجيكا والأهلي المصري كلاعب وسط متقدم أو لاعب وسط مهاجم وأحيانًا جناح أيمن أو حتى ظهير أيمن ولعب مباريات استثنائية كمحور حين يكون الفريق بحاجة للهجوم القوي، ولكن في مباراة اليوم لم يكن من المقبول أن يلعب أحمد حسن كمحور ارتكاز أمام لاعبين بقدرات مراد مغني وكريم زياني وزملائهم وأبرز تلك القدرات هي القوة الجسمانية واللياقة البدنية. هذا الشكل للوسط المصري جعل الضغط الجزائري يتفوق بقوة في أهم مناطق الملعب، وهو أيضًا ساهم بتشديد الضغط الدفاعي على أبو تريكة مما منعه من القيام بالواجبات الهجومية المطلوبة منه، فهم لم يجد الدعم من الخلف وفي نفس الوقت ترك فريسة للاعبي الجزائر الأقوياء بدنيًا، ولو نذكر في بطولة القارات أو أمم أفريقيا الأخيرة لوجدنا أن أبو تريكة كان يحمى بالثنائي القوي بدينًا وجسمانيًا محمد شوقي وحسني عبد ربه، واليوم لم يجد الا أحمد فتحي فقط قبل أن يخرج وينزل المصاب حسني عبد ربه ليرى أبو تريكة نفسه بلا أي دعم دفاعي وهنا فقد المنتخب المصري أخطر أوراقه الهجومية، وبالعودة للمباراة نجد أن كل اللقطات الخطيرة للمنتخب هجوميًا كان خلفها أبو تريكة لكنه حين يكون وحيدًا ويجد تلك المساحة التي يتحرك بها. الأمر الثالث هو اللعب بمهاجمين في الأمام بدون خط وسط يقدم لهما أي شيء، وبالتالي ما الفائدة من وجود المهاجمين !!!، كان الأفضل اللعب كما هي الطريقة المعتمدة في المنتخب بتواجد مهاجم أوحد متقدم وخلفه الثنائي أبو تريكة وأحمد عبد الملك أو محمد بركات أو محمد زيدان والأفضل هنا تواجد المثلث متعب وتريكة وبركات لاستغلال تفاهمهم الكبير معًا من لعبهم في نادي واحد، واللعب بتلك الطريقة كان سيضيف قوة أخرى لوسط الملعب بعودة الثنائي الهجومي للخلف والتحرك على الأطراف مما يعني خلخلة الوسط ومساعدة محوري الارتكاز على تحمل الضغط القوي من لاعبي الجزائر. الأمر الرابع والأخير الخاطئ في تشكيل المنتخب المصري هو استمرار تواجد لاعب الوسط الأيمن أحمد المحمدي وهو الذي ظهر بمستوى سيء للغاية خلال مباراة القاهرة وبرز تفوق منافسه نذير بلحاج الواضح عليه سواء دفاعيًا أو هجوميًا وبالأخص هجوميًا، المحمدي ينطلق ويتقدم ويتمركز جيدًا لكن في النهاية يعطيك تمريرة عرضية فاشلة تمامًا، وبالتالي الانتاج 0 ولم يستفد منه المنتخب المصري وهذا الأمر ظهر في مباراة القاهرة وتكرر في مباراة الخرطوم بدون أي قراءة للجهاز الفني وهو الأمر الغريب جدًا. بالتالي التشكيل الأفضل للمنتخب المصري لمباراة الخرطوم كان: عصام الحضري هاني سعيد عبد الظاهر السقا وائل جمعة سيد معوض محمد شوقي محمد حمص أحمد فتحي محمد أبو تريكة محمد بركات عماد متعب أو عمرو زكي هنا سنرى قوة بدنية ممتازة في الوسط بتواجد الثلاثي القوي شوقي وحمص وفتحي، بجانب كثافة عددية في الوسط تواجه الكثافة العددية في وسط الجزائر بتواجد 5 لاعبي وسط وفي نفس الوقت يمتلك الثنائي تريكة وبركات مساحة من الحركة بدون ضغط نتيجة تواجدهما معًا ونتيجة تواجد خط وسط قوي خلفهما. وكان يمكن وجود حل أفضل للمنتخب، وهو اشراك أحمد فتحي في الخط الخلفي بدلًا من أحد الثلاثي واشراك بركات في الجانب الأيمن ومشاركة زيدان أو أحمد عبد الملك في الثلاثي الأمامي، وهنا كنا سنرى اضافة مهمة جدًا هي تقدم أحمد فتحي لمساندة الوسط المصري -كما كان في مباراة القاهرة- خاصة أن مهاجم الجزائر الثاني عبد القادر غزال كان يعود للوسط كثيرًا، أي أن الوسط سيصبح به 6 لاعبين يتحركون بشكل جماعي متميز يخفف الضغط على كل منهم فرديًا. تغييرات مصرية فاشلة بنسبة 70% بالنظر للتغييرات التي أجراها المنتخب المصري، أجد أنها تغييرات لمجرد التغيير !!! أو تغييرات حاولت اصلاح أخطاء البداية. نبدأ بتغيير حسني عبد ربه بدلًا من أحمد فتحي !!! لماذا هذا التغيير ؟؟؟ صدقوني حتى الآن لا أفهم أي سبب يدعو حسن شحاته يُخرج أحمد فتحي !!! خاصة أنه كان اللاعب الأفضل في وسط مصر وهو الذي يجاري القوة الجزائرية ويحاول ايقافها. كان المفترض هنا خروج أحمد حسن الذي لم يقدم شيء للمنتخب في الشوط الأول وبدا واضحًا أنه نقطة ضعف كبيرة في الوسط تسمح للمنافس بالتفوق الكامل، أو خروج أحد لاعبي الدفاع وعودة أحمد فتحي واشراك لاعب وسط اضافي لزيادة الكثافة العددية للوسط كما تحدثنا في النقطة السابقة، لكن كيف يخرج أحمد فتحي ولماذا !!!! سؤال لا اجابة له الا ان كان اللاعب مصاب. الشق الآخر من التغيير هو اللاعب الداخل، لماذا يدخل لاعب بعيد عن التدريبات لأسبوعين تقريبًا ويلعب بكاحل مصاب وبخوف كبير مما رآه في الملعب من القوة والتي وصلت لحد العنف أحيانًا من جانب الجزائر !!! لماذا لا يدخل محمد شوقي أو محمد حمص وكلاهما جاهز وكلاهما يمتلك القوة البدنية الدفاعية ويمتلك كذلك قدرات هجومية ستدعم الهجوم !! بصراحة تغيير غريب جدًا أراه أثر سلبًا على الفريق وحرمه من تغيير هجومي اضافي في الدقائق المتبقية. التغيير الثاني بخروج عمرو زكي واشراك محمد زيدان كان اصلاح لخطأ البداية بمهاجمين، وهنا محاولة جيدة من الجهاز الفني وإن كانت قد فشلت بسبب التغيير الأول. التغيير الثالث متأخر بدرجة كبيرة، لأن الوقت كان يمضي والمباراة تحتاج لاعب مهاري يجيد الاختراق والتوغل وتحريك الجانب الأيمن بشكل أفضل من المحمدي، نزل عبد الملك ولم يمتلك أي وقت للتحرك وحتى ما حاول فعله أفسده المحمدي بالتمريرات العرضية الفاشلة. كانت التغييرات الأفضل للمنتخب من بداية الشوط الثاني خروج أحد الثلاثي الدفاعي وتحويل الطريقة الى 4-4-2، واشراك لاعب وسط (حمص أو شوقي) بجانب أحمد فتحي وتقديم أحمد حسن ليلعب بجانب أبو تريكة وزيدان الذي نزل بديلًا لعمرو زكي، وهنا يبقى التغيير الثالث بضرورة اخراج المحمدي واشراك بركات ليتبادل هو وأحمد حسن التقدم في الجانب الأيمن أو اللعب في عمق الملعب الأيمن، لاضافة ضغط هجومي قوي على الدفاع الجزائري. رابح سعدان استفاد من أخطاء القاهرة، ويستحق منا كل التحية نعم أخطأ رابح سعدان في مباراة القاهرة بالعودة الشديدة للخلف وترك الملعب بالكامل للمنتخب المصري لكي يبني هجومه بشكل جيد ويشن الهجمة تلو الأخرى على المرمى الجزائري، ولكنه تعلم اليوم الدرس جيدًا ونجح بشكل رائع. خطأ المنتخب الجزائري الأكبر في مباراة القاهرة هو دفاعه من قلب منطقة الجزاء وغياب الضغط الدفاعي عن وسط الملعب، مما جعله رد فعل للهجمات المصرية أو بمعنى آخر أن المنتخب المصري فرض أسلوبه على الملعب ولهذا نجح بالتسجيل. ولكن ما حدث في مباراة الخرطوم أن سعدان وعي الدرس ودافع تلك المرة من نصف ملعبه واعتمد أسلوب الضغط الدفاعي القوي على بدايات الهجوم المصري مما جعله يبدأ في الخط الخلفي (هاني أو عبد الظاهر أو جمعة) وينتهي في الخط الأمامي (الحارس شاوشي) بدون أن يمر على خط الوسط أبدًا لأنه ملك للاعبي المنتخب الجزائري، وهنا انعكس الأمر وفرض المنتخب الجزائري أسلوبه على المصري وجعل الهجوم المصري مجرد رد فعل، والغريب العجيب أن المنتخب المصري اعتمد أسلوب الكرات الطويلة بعد خروج المهاجم الوحيد القادر على التعامل معها وهو عمرو زكي، فجميعنا يعلم أن متعب وأبو تريكة وزيدان يجيدون اللعب على الأرض وليس في الهواء ولهذا كانت كل تلك الهجمات توأد قبل أن تولد بواسطة مدافعي المنتخب الجزائري وحارس مرماه وهم مجموعة ممتازة للغاية في الكرات الهوائية. أمر آخر تعلم منه رابح سعدان، وهو خطأ ارتكبه في المباراة الأخيرة باخراج المهاجمين والعودة للخلف بالكامل بحيث لعب بخطين فقط هما الدفاع والوسط، ولكنه في مباراة اليوم حافظ على تواجد مهاجم على الأقل في الأمام ليضغط على مدافعي المنتخب المصري ويمنعهم من التقدم لدعم الهجوم كما حدث في مباراة القاهرة، وهو نجاح يؤكد قراءة المدرب الواعية والممتازة جدًا للمباراة السابقة. وبشكل عام، فقد لعب المدرب المتميز بأفضل طريقة ممكنة يستخدم بها كل أدواته المميزة ويخفي بها نقاط ضعف الفريق، ورغم أنه فنيًا ربما أقل من المنتخب المصري إلا أن النجاح التكتيكي في ادارة المباراة كانت عامل الحسم في الموقعة الفاصلة ولهذا نؤكد أن الشيخ سعدان صاحب الفضل الأكبر بعد الله عز وجل في تأهل المنتخب الأخضر. مصر تفشل في تطبيق الفكر الهجومي أمام الدفاع المتكتل هذا ما لاحظناه بالفعل خلال مسيرة المنتخب المصري طوال الفترة الماضي، فالمنتخب يجيد أسلوب الدفاع الايجابي وهو التطور للكاتيناتشو الايطالي، أي بالاعتماد على الأداء الدفاعي القوي والضغط على المنافس مع تنفيذ الهجمات المرتدة الممتازة والسريعة بواسطة تواجد عدد من اللاعبين المهاريين جدًا في وسط وهجوم المنتخب المصري، وبهذا الأسلوب نجح الفريق في بطولة 2008 ثم القارات ثم بعض المباريات الأخرى، لكنه فشل في تطبيق الأسلوب الهجومي القوي أمام المنتخبات التي دافعت أمامه بشكل قوي مثل زامبيا والجزائر رغم امتلاكه الكرة في فترات كثيرة من المباراة. هذا الفشل في الأسلوب الهجومي أمام من يدافع بقوة ناتج عن غياب الجمل الهجومية الفنية عن الفريق، وإن طبقنا الأمر على مباراتي الجزائر نجد التالي: * غياب كامل للتسديد من خارج منطقة الجزاء رغم أنه أبرز أسلحة التغلب على الدفاع المتكتل. * غياب الاختراق من أطراف الملعب والقصد هنا الاختراق وصولًا لداخل منطقة الجزاء وليس التمريرات العرضية من خارج المنطقة. * غياب النجاح عن التمريرات العرضية، فأغلبها كان فاشل بدرجة كاملة والتمريرتين الوحيدتين كانتا هدف عماد متعب وفرصة محمد بركات في مباراة القاهرة، واليوم غابت بشكل كامل حتى من الركنيات. * غياب الألعاب الجماعية في الجزء الأمامي من الملعب، وهي تلك التي يتشارك بها جميع اللاعبين وتكرر بشكل دائم حتى تنجح احداها في الاختراق، فالفرص كان جلها من مهارات فردية للاعبين أو تمريرات بينية من أبو تريكة لسيد معوض وهي الجملة الوحيدة الموجودة خلال 180 دقيقة. أخيرًا، كلمة عن الجانب النفسي والذهني هنا التفوق الكامل كان كذلك للجزائر بالكامل وتُمثل في اتحاد كرة القدم والجهاز الفني واللاعبين الكبار في الفريق، وبالعكس تمامًا كان الفشل المصري متمثلًا في الاعلام المصري واتحاد كرة القدم والجهاز الفني. المنتخب الجزائري تمكن من التغلب على صدمة الهدف القاسي من عماد متعب، ونجح رابح سعدان بمساعدة الجميع في تحويل تلك الصدمة لدوافع ايجابية رأيناها على أرض الملعب من خلال القوة والرغبة في التدخلات وسباقات الجري بين اللاعبين، وقد ساعد في هذا الأمر التفوق الجماهير للمنتخب الجزائري وهو الأمر الغير متوقع أبدًا. بالعكس تمامًا كان تصرف الجانب المصري، الذي بدأ يحتفل بالتأهل للمونديال القادم خلال اعلامه وشوارعه وكأنه حدث بالفعل، وقد احتسب الجميع ما حدث في القاهرة انجاز كبير متنساسين أن الانجاز يكون بالتأهل للمونديال لا بالاقتراب من ذلك، وبلا شك أن ذلك الاحساس وصل للجهاز الفني ومنه للاعبين وقد ترجم بواسطة تشكيل المباراة وحالة الثقة النسبية في بدايتها، والغريب أن هذا الأمر تكرار لما حدث في بطولة القارات الأخيرة !!!. اضافة لأمر آخر، وهو الحضور الجماهيري في المباراة، وهنا اعتمد الجانب المصري على الكلام وفقط الكلام مثلما كان الحال في الصفر المونديالي، فالجميع تحدث عن مساندة سودانية قوية وعن أن شعب السودان هو شعب مصر وأنهم بلد واحد ونيل واحد وووو وفي النهاية كانت الصدمة من هناك من ملعب الخرطوم برؤية ملعب يشهد تفوق جماهيري جزائري مما سبب نوع من الصدمة للمنتخب المصري وعلى العكس منح المنافس دفعة منعوية كبيرة جدًا. على العكس ما فعله المنتخب الجزائري وباعتراف المصادر المصرية نفسها، فمنذ الساعات الأولى لما بعد مباراة القاهرة، تحركت السفارة الجزائرية واشترت أعداد كبيرة من التذاكر وبدأت حملة جذب للجماهير السودانية بجانب ارسال أكثر من 100 ألف علم جزائري الى الخرطوم وهو ما ترجم على أرض الملعب اليوم من خلال الجماهير السودانية المناصرة للمنتخب بجانب الـ10 آلاف مشجع الذين نقلهم الرئيس الجزائري على نفقة الدولة للسودان.